قال ابن القيم بعدما ذكر ما حصل لقوم موسى من الهلاك بعدما تركوا التوراة وحرَّفوها واتبعوا ما تُـمليه عليهم آراء الفلاسفة:
ثم بعث الله سبحانه عبدَه ورسولَه وكلمتَه المسيح ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه، فجدَّد لهم الدين، وبيَّـن لهم معالمه، ودعاهم إلى عبادة الله وحده، والتبري من تلك الأحداث والآراء الباطلة ، فعادَوهُ وكذَّبوه، ورمَوه وأُمَّه بالعظائم، ورامُوا قتله، فطهَّره الله تعالى منهم ورفعه إليه، فلم يصِلوا إليه بسوء، وأقام الله تعالى للمسيح أنصارًا دعَوا إلى دينه وشريعته، حتى ظهر دينُه على مَن خالفه، ودخل فيه الملوك، وانتشرت دعوته، واستقام الأمر على السَّداد بعده نحو ثلاثمئة سنة.
ثم أخذ دين المسيح في التبديل والتغيير حتى تناسخ واضمحلَّ، ولم يبق بأيدي النصارى منه شيء، بل ركَّـبوا دينًا بين دين المسيح ودين الفلاسفة عُــبَّاد الأصنام، ورامُوا بذلك أن يتلطَّفوا للأمم حتى يُدخلوهم في النصرانية، فنقلوهم من عبادة الأصنام الـمُجسَّدة إلى عبادة الصور التي لا ظِل لها، ونقلوهم من السجود للشمس إلى السجود إلى جهة المشرق، ونقلوهم من القول باتحاد العاقل والمعقول والعقل إلى القول باتحاد الأب والابن وروح القدس.