(وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ولعلكم تشكرون)
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
1. عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحمدوا الله على نعمة بلوغ تمام الشهر، فتلك والله النعمة،
قال ربكم:
فَها نحن أكملنا العدة، وكبرنا الله، وبقي علينا عبادة الشكر.
2. أيها المسلمون، لقد صدق الله حيث قال: (أَيَّامًا معدودات)، ما أسرع تلك الأيام، لقد انقضت ورحلت، فهل شعرتم كيف ذهبت؟ وهل أحسستم كيف انقضت وتولت؟
3. أيها المؤمنون، هنيئاً لكم، فقد صمتم شهركم، وهنيئاً لكم فقد قمتم لياليه، وهنيئاً لكم فقد بَلَغتم آخره، في حين أن أقواما ماتوا ولم يتمكنوا من بلوغ آخره، فالحمد لله على نعمائه؟
4. أيها المسلمون، هنيئاً لكم هذه الفرحة التي يأتي فيها عيدنا في ختام أداء ركن من أركان الإسلام، وهو صوم رمضان، وأنتم تكبرون الله وتوحدونه وتعظمونه، قد زادت حسناتكم، وكُفِّرت خطيئتاكم، ورُفِعت درجاتكم، بإذن الله.
5. عباد الله، إِن من حكمة الله تعالى أن شرع لنا العيدين بعد حلول مناسبتين عظيمتين؛ عيد الفطر بعد إتمام صومنا، وعيد الأضحى بعد إتمام ركنِ حجنا، فأعيادنا دين وعبادة، صلاة وتكبير، زكاةُ نفس وزكاة فِطر، فرحةٌ وصلة رحم، تزاور ومحبة، عفوٌ عما مضى وإعادة علاقات، ونسيان للضغائن والحزازات، فينبغي على من كانت بينه وبيه قريب له أو صديق شحناء أو قطيعة أن يتخذ من يوم العيد فرصة للصلة والعودة وبعث السرور في النفوس.
6. أيها المؤمنون، هنيئاً لكم هذه الفرحة التي يأتي فيها عيدنا وهو ليس كأعياد غيرنا، من أهل الشرك والضلال، الذين لا تزيدهم أعيادهم إلا إثما وبعدا من الله.
عباد الله، افرحوا بهذه الرحمات،
فقد قال الله تعالى
(قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فليفرحوا)
واسألوا الله المزيد.
7. أيها المسلمون، تجملوا، وتزينوا، وتطيبوا، قال الإمام مالك رحمه الله: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.
8. أيها المؤمنون، افتحوا بيوتكم وقلوبكم، وادعوا لبعضكم بقبول العمل في رمضان، وهنئوا بعضكم بعضا، فقد كان الصحابة يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.
9. أيها المسلمون، إن العفو عما مضى من أفضل الطاعات، وقد رتب الله عليه ثوابا غير محدود، فقال
(فمن عفا وأصلح فأجره على الله)
فوعد بالأجر ولم يحدده، فعُلِم أنه عظيم.
أيها المؤمنون، إن إصلاح النفوس وتزكيتها من أفضل الطاعات، وقد رتب الله على ذلك الفلاح فقال
(قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها).
عباد الله، إن مما يزيد في فرحة العيد إصلاح العلاقات الاجتماعية، وتجديدها، وتقويتها، وغسل النفوس مما علق بها خلال العام من الكراهية والضغائن، فهنيئا لمن استغل العيد وأصلح بين زوجين متفرقين، وجمع بين قلبين متباعدين، وكان سببا في إعادة السعادة لأبناء تلك الأسرة، أو العفو عن دم، أو إسقاط دين، أو زوال قطيعة بين أقارب.
اللهم لك الحمد بما أنعمت علينا من نعمة إدراك تمام الشهر، وبلوغ العيد، واجعلها عوناً لنا على طاعتك، اللهم ارزقنا حبك وحب كل عمل يقربنا إليك. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
10. عباد الله، اعلموا رحمكم الله أن الفرحة العظيمة يوم نلقى الله بالأعمال الصالحة، حيث يقول الله: يا أهل الجنة، يقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
11. أيها المؤمنون، إن رمضان فرصة لتصحيح المسار، وتقوية العلاقة مع الله تعالى على وجه الاستمرار، فلنستمر في العبادة، فالعبادة لا تنتهي بنهاية رمضان، بل تنتهي بالموت،
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(أحب الأعمال أحب إلى الله ما دام وإن قَل)
أيها المسلمون، إن الاستمرار على العمل الصالح بعد رمضان من علامات التوفيق وقبول العمل، وأما حصر العمل بالمواسم فيدل على قلة العلم وقلة التوفيق، فرب رمضان هو رب الشهور كلها، وقد سُئِل أحد السلف عمن يجتهد في العبادة في رمضان ويتركها في غيره فقال: بئس القوم، لا يعرفون الله إلا في رمضان.
أيها المؤمنون، إن من أفضل صفات المسلم أن يكون من القانتين، والقنوت هو الثبات والمداومة على العبادة، وقد مدح الله من اتصف بالقنوت فقال
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
12. عباد الله، إن صيام ست أيام من شوال بعد صيام رمضان سنّة مستحبّة، وقد رتب الله على ذلك أجرا عظيما، كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر.
ثم إنّ من الحِكمِ المهمّة لصيام ستّ من شوال تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان، إذ لا يخلو الصائم من حصول تقصير أو ذنب مؤثّرٍ علي صيام الفريضة، فيكون صوم النفل جابرا لذاك النقص.
وبعد، فهذه عشر وقفات ينبغي للمسلم أن يستحضرها في عيد الفطر، ليكون عيده عبادة وليس عادة.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعل الجنة مثوانا، والفردوس مأوانا، وأدخلنا الجنة بلا حساب ولا عذاب، يا كريم يا وهاب، اللهم اعتقنا من النار، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، اللهم لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل عيدنا سعيدا، وعيشنا رغيدا، واخلف علينا مواسم الطاعات والبركات ونحن والمسلمون في صحة وعافية وأمن، اللهم ثبتنا على الأعمال الصالحة بعد رمضان، واجعلنا من القانتين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، سُبْحَانَ ربنا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.