إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوا الله ولا تعصوه، واعلموا أن من أفضل أعمالكم الصلاة، فقد اختصها الله بخصائص كثيرة من بين العبادات، منها أن الله فرضها في السماء، وأنها خمس في العمل وخمسون في الميزان، وأنها تكفر الخطايا، وأن المشي لها إلى المساجد عبادة، وكذلك الرجوع منها، ومن أعظم خصائصها كذلك وجوب التطهر لها.

أيها المؤمنون، ولما كانت الصلاة بهذه المثابة؛ فقد شرع الله التبكير إليها، ورتب على ذلك الأجر الوفير،

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسـول الله (صلى الله عليه وسلم):

خـير صفوف الرجال أولها، وشرُّها آخرها. 

وعنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:

لو تعلمون - أو يعلمون - ما في الصف الـمُقدَّم لكانت قُرعة. 

وعنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:

لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا عليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حَـــبوًا. 

قوله (ما في النداء)، أي ما في الأذان من أجر فاعله.

قوله: (يستهِموا) أي: يقترعـوا، والتهـجير هو التبكير، والعتمة هي صلاة العشاء.

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقول:

إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الصفوف الأُوَل. 

وقوله (يصلون على الصف الأول) أي أن الملائكة تدعو لأصحاب الصف الأول بالرحمة ويستغفرون لهم، فإن الدعاء من معاني الصلاة. 

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يستغفر للصف الـمُقدَّم ثلاثا، وللثاني مرة. 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله.  أي يؤخرهم عن عظيم الفضل ورفيع المنـزلة.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاعلموا رحمكم الله أن للصلاة في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة أي عبادة أخرى، فهي عَمُودُ الدين الذي لا يقوم إلا به، ففي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه

قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. 

عباد الله، والصلاة وسيلة مناجاة بين العبد وربّه، لما تتضمنه من دعاء وثناء على الله عز وجل، وقراءة قرآن، وتسبيح وتحميد وتكبير، وخضوع بالجوارح، كالركوع والسجود والوقوف بخشوع وتذلل وانكسار واطراق بصر بين يدي العزيز. قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى

﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾

وثُـم في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله بالقلب واللسان والبدن، فإن الله تعالى إنما خلق العباد لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها ما ليس في غيرها، ولهذا قال

﴿ولذكر الله أكبر﴾

انتهى.

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال

(إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. 

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم. 

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعاف مبتلانا.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. 

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذِكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.