إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا). 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما). 

أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله، اتقوا الله وعظّموه، وأطيعوه ولا تعصوه، واصبروا على فعل الطاعات، وعلى ترك المعاصي والسيئات، واعلموا أن الله تعالى شرع الشرائع لغاية عظيمة، وهي دلالتهم على ما فيه خير دينهم ودنياهم، لأن عقول البشر قاصرة، لا تستطيع أن تستقل بصنع شرائع تهديهم، فهذا من خصائص الله الكامل في صفاته، الحكيم في أفعاله وأقواله وتقديره، الخبير بمصالح خلقه، الرحيم بهم، أما البشر فقاصرون في علمهم.

معاشر المؤمنين، تقدم الكلام في خطب ماضية عن نحو أربعين خصيصة من خصائص الشريعة الإسلامية، وفي هذه الخطبة نتناول بقية الخصائص المتممة لثنتين وأربعين بإذن الله.

39. عباد الله، إنَّ مِن خصائص الشريعة الإسلامية أن كل ما خالفها من الأقوال فهو باطل لا يثبت للحق عند المقابلة،

قال تعالى:

(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)

وقال

(قل جاء الحق وما يُبدئ الباطل وما يعيد)

أي أنه يضمحل ويبطَل أمره ويذهب سلطانه، فلا يبدئ ولا يعيد. 

40. ومن خصائص الشريعة الإسلامية ثباتُـها وصمودها أمام التحديات واستمرارها واستقرارها، بالرغم من توالي النكبات، وتكالب الأعداء على مر العصور؛ فإن الشريعة الإسلامية لم تضمحل ولم تتغير، بخلاف القوانين البشرية، فهي بين قيام مؤقت وتبديل مستمر وانهيار دائم. 

وإن مِن مظاهر صمود الشريعة الإسلامية عبر التاريخ؛ صمودُها أمام التيارات الفكرية، كتيار التنصير، الذي يهدف إلى تنصير العالم، وتطويعهم لعبادة الصليب، فبالرغم من عظيم إمكانات الدول الداعمة للتنصير فإن معدل الدخول في الإسلام عندهم أعظم من معدل الدخول في النصرانية وغيرها من الأديان المحرفة أو البشرية.

ومِن مظاهر صمود الشريعة الإسلامية عبر التاريخ؛ صمودُها أمام تيار العلمانية الذي يهدف إلى فصل الدين عن مناحي الحياة، وجعله محصورا في علاقة العبد بربه.

ومن مظاهر صمود الشريعة الإسلامية عبر التاريخ؛ صمودُها أمام تيارات البعثية والقومية، حتى صارت أثرا بعد عين.

ومن مظاهر صمود الشريعة الإسلامية عبر التاريخ؛ صمودُها أمام تيارات العنف والفوضى، والتي تهدف إلى الإطاحة بحكام بعض بلاد المسلمين، ليتولى القائمون عليها الحكم، ويحيلوا البلاد إلى بلاد آمنة رغيدة بزعمهم، وقد شهد العالم آثار تلك التيارات الطائشة في البلاد التي نفذوا فيها مخططاتهم من حال سيء إلى أسوأ، فاستبيحت الحرمات، وأريقت الدماء، وهُتكت الأعراض، وفرح الكفار بما حل بساحة المسلمين، وسموه ربيعا.

41. ومن خصائص الشريعة الإسلامية أن من حاربها فهو مهزوم في النهاية ومخذول، سواء كان من أصحاب الزعامات أو الوجاهات أو التيارات الفكرية والعنصرية، فأين الشيوعية؟ وأين القومية والبعثية؟ صِرنَ أثرا بعد عين، وفي المقابل، هل زال الإسلام على مدى أربعة عشر قرنا من التحديات؟ هل زال بتأثير الحروب الصليبية؟ وهل زال بتأثير حقبة ما يُسمى بالاستعمار الأوربي؟ وهل زال بتأثير الغزو التتري على العراق؟ وهل زال بتأثير الغزو الرافضي للأحواز والعراق؟ وهل زال بتأثير الغزو الفكري العلماني؟ لا والله، لقد زاد صلابة ورسوخا،

وصدق الله

(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)

وبعدُ عباد الله، فهذه جملة نافعة من خصائص شريعة الإسلام، من علِمها عَلِم عظيم حكمة الله فيما شرَعه من الشرائع، وعَلِم ضعف ما وضعه البشر من الشرائع.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. 

الخطبة الثانية

42. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن من خصائص الشريعة الإسلامية أن من طبقها من الدول والشعوب فإن الله وعده بسعادة الدارين، لتعيش في الدنيا آمنة عزيزة، في أمن وعيش رغيد، وفي الآخرة موعود بالثواب الجزيل، وأما من أعرض عن شرع الله من الدول والشعوب فإنه يعيش في قوارع وصروف ولو كان من أقوى الدول وأعتاها، والواقع يشهد على ذلك، ولما فقُهَ الأوائل ذلك وطبقوه سادت الحضارة الإسلامية الأرض لثمانية قرون، فتحقق فيهم قول الله تعالى

(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا)

ولما أعرضوا عن دينهم الله نزع الله السيادة منهم وسلط عليهم أعداءهم، كما هو الواقع المشاهد الآن.

وبعد عباد الله، فبهذه الخطبة نكون أتينا على ما يسر الله الوقوف عليه مِن خصائص من خصائص الشريعة الإسلامية، وعددها ثنتان وأربعون، والتي من علِمها ووعاها علِم حكمة الله في شريعة الإسلام، وعلِم زيغ منافقي زماننا، وهم العلمانيون، في طعنهم في الإسلام وتشريعه، وزعمهم أنه دين تخلف ورجعية، وهم الأولى بهذا الوصف، حمانا الله من شبهاتهم.

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال

(إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، الأئمة الحنفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. 

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم. 

اللهم إنا نسألك عيشا قارا، ورزقا دارا، وعملا بارا. اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وعاف مبتلانا.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. 

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.